أحدث الأخبار
عاجل

على خطى الشهيد الشريف مسعودي من واد الشعير الى جبل أحمر خدو.

+ = -
في صباح يوم أمس الخميس 17 أكتوبر 2024، انطلقنا في رحلة تاريخية من بلدة بن سرور في تمام الساعة السادسة صباحًا. كانت الرحلة بمثابة استعادة لذكريات الثورة الجزائرية المجيدة، والهدف كان زيارة بلدية مشونش التابعة لولاية بسكرة، تلك البلدة التي حملت في رحمها أبطالًا صنعوا مجدًا خالدًا في صفحات الكفاح الجزائري مثل سي الحواس وسي الحسين بن عبد الباقي. هؤلاء الأبطال الذين أضاءوا بنضالهم درب الحرية وزرعوا في الأجيال معاني التضحية والولاء للوطن.
بعد رحلة دامت قرابة ثلاث ساعات، وصلنا إلى مشونش في حوالي الساعة التاسعة وأربعين دقيقة صباحًا، حيث كان في استقبالنا المجاهد الحاج علي بوغفيرة، دعانا إلى منزله القديم الذي يحمل بين جدرانه قصصًا وحكايات من أيام النضال. كان المنزل مبنيًا من الطوب، كما هي حال العديد من منازل تلك الفترة، وكأن كل لبنة فيه تحكي قصة من قصص الشرف والمجد. كان المنزل هو المكان الذي نشأ وترعرع فيه المجاهد علي بوغفيرة، مكان يحمل ذاكرة الثورة في كل زاوية.
بعدما استمتعنا بالضيافة والكرم الريفي، اتجهنا إلى منزل الشهيد سي الحواس، قائد الولاية السادسة التاريخية. هذا المنزل تم تحويله إلى متحف يروي بفخر قصص الثورة والمجاهدين. مع كل خطوة داخل المتحف، كان التاريخ ينبض من حولنا، حيث شاهدنا صورًا ووثائق وآثارًا تحكي حكاية النضال. كان المتحف بمثابة نافذة على تلك الحقبة المجيدة، حينما كانت الجزائر تخوض معركتها الكبرى ضد الاستعمار.
بعد انتهاء زيارتنا للمتحف، قررنا أن نواصل رحلتنا إلى جبل أحمر خدو، هذا الجبل الذي يقف شاهدًا على صمود الأبطال أمام أعتى القوى الاستعمارية. يقع الجبل على الحدود بين ولايتي بسكرة وباتنة، ويبلغ ارتفاعه الشاهق 1842 مترًا، مما يجعله واحدًا من الجبال الأكثر تحديًا في الجزائر. تضاريسه الوعرة جعلت منه حصنًا طبيعيًا للمجاهدين خلال الثورة، وهو المكان الذي شهد العديد من المعارك البطولية. تحركنا على طريق معبد يمتد لمسافة 18 كيلومترًا وسط تلك الجبال، ونحن نتجه نحو موقع استشهاد المجاهد الشريف مسعودي. كانت مرافقتنا من قِبل الجيش الشعبي الوطني تضفي على الرحلة شعورًا بالفخر والأمان.
عندما وصلنا إلى الموقع، كانت التضاريس الصعبة تشد انتباهنا. فالجبال المحيطة كانت شاهدة على بطولة أولئك المجاهدين الذين واجهوا الصعاب دون تردد. تساءلنا بيننا وبين أنفسنا: كيف استطاع هؤلاء الأبطال التحرك في هذه الجبال القاسية؟ كيف نجحوا في مواجهة التحديات الطبيعية والمستعمرين في آن واحد؟ كان الموقع الذي نقف فيه المعروف باسم “حجر عيسى بن براق”، بالقرب من مركز “عين الثقبة” الثوري، هو المكان الذي استشهد فيه الشريف مسعودي إثر كمين فرنسي في نهاية سبتمبر 1960، كان الشريف مسعودي رفقة مجموعة من المجاهدين في منطقة “عين الثقبة”، وهم الملازم العسكري محمد لخضر تيطاوين، وعبد الله حسوني شقيق الشهيد رمضان حسوني، ومحمد بوعكاز، وصالح أوشعبان. أثناء عبورهم منطقة حجر عيسى بن براق، نصب لهم الفرنسيون كمينًا في أعالي الجبل. كانت القوات الفرنسية قد تمركزت بعناية، وأطلقت النار عليهم بمجرد مرورهم. استشهد الشريف مسعودي وصالح أوشعبان في تلك اللحظة البطولية، بينما تمكن الآخرون من الفرار والنجاة بأعجوبة.
مع حلول وقت الظهيرة، عدنا إلى منزل المجاهد علي بوغفيرة حيث كان المجاهد الصادق عثماني ينتظرنا. قمنا بأداء صلاة الظهر في مسجد البلدة، لنعود بعدها إلى تناول وجبة الغداء في جو عائلي حميم يجمع بين الماضي والحاضر. كانت هذه اللحظات تعكس روح الأخوة التي جمعت المجاهدين خلال الثورة، والتي ما زالت قائمة حتى اليوم.
عائلة الشهيد الشريف مسعودي بادرت إلى تكريم المجاهدين علي بوغفيرة والصادق عثماني، اعترافًا وامتنانًا لتضحياتهم المستمرة في سبيل تحرير الوطن.
عند الساعة الثانية بعد الظهر، أنهينا جلستنا وودعنا مضيفينا، ثم انطلقنا عائدين إلى بن سرور. وبينما كنا نسير في الطريق، كانت قصص المجاهدين والشهداء لا تزال تملأ أذهاننا، تحملنا في عالم من البطولة والفداء. كانت تلك الرحلة درسًا عميقًا عن الولاء للوطن والإخلاص له، وذكّرتنا بأن التضحيات التي قدمها أولئك الأبطال لن تُنسى، بل ستظل محفورة في ذاكرة الأجيال القادمة، لتكون مصدر إلهام لكل من يسعى لتحقيق العدالة والحرية.
كتبه : سعيد النعمي.

الوسم


أترك تعليق