الذاكرة الشعبية من الأمثال والحكايات إلى أغاني الواحة
في قلب الواحة السهبية، حيث يتعانق ظل النخيل مع نسيم الوادي، ما زالت بوسعادة تهمس بأصوات أجيالها الماضية، وتروي لنا – من خلال التراث الشفوي – تفاصيل يومياتها، أفراحها، وأحزانها. إنها مدينة لا تسكن فقط في الحجر، بل في الحكاية، والمثل، والأغنية التي تتردد على ألسنة الجدّات وسواعد الفلّاحين.
🪶 1. حكايات الجدّات… بين الحقيقة والأسطورة
لطالما شكّلت الحكايات الشعبية في بوسعادة مادة دسمة للخيال الجماعي، تسردها الجدّات في ليالي الشتاء حول “الكانون”، ومن بينها:
قصة “العجوز والنخلة”: يُحكى أن امرأة طاعنة في السنّ رفضت مغادرة بستانها رغم الجفاف، فدعَت الله أن يخلّدها، فتحوّلت – كما تقول الأسطورة – إلى نخلة شامخة على ضفة الوادي.
أسطورة “النسر الذهبي في جبل كردادة”: مخلوق نادر لا يظهر إلا في أيام الجفاف القاتل، ويرتبط ظهوره بنبوءة الخير أو الحروب.
💬 2. الأمثال الشعبية… حكمة الواحة المتوارثة
تجري الأمثال في بوسعادة على الألسن كما يجري الماء في الساقية. أمثالٌ تُعبّر عن خبرات الحياة، ونُطقها يُعد دليلاً على الأصالة والانتماء:
“ما يحرث الأرض غير عجالها”
(المعنى: لا يُصلح الأرض إلا أهلها وأصحابها الحقيقيون)
“اللي طاح في الما، ما يهاب البلل”
(المعنى: من جرّب المصيبة لا يخشى تكرارها)
“الكرم في الدم ماشي في الخرج”
(المعنى: الكرم طبعٌ داخلي لا مظاهر خارجية)
🎶 3. أغاني الواحة… أنغام الروح الجماعية
في الأعراس، وفي موسِم “التويزة”، وفي احتفالات المولد، يُغنّي البوسعاديون أغانيَ تتوارثها الأجيال:
أغاني الأعراس التقليدية
مثل: “ديري يا العروسة فستانك… وخلي الزغاريد تسبقك”
أهازيج الختان
“جابو السكاكين.. ودارو الطواف، يزغردو عليه لميمة”
أغاني العمل الفلاحي والتويزة
حيث تُضرب الطبول ويُردَّد: “يا لالا يا لالا… نخلة فوق نخلة، وساقية تبان في العلالي”
هذه الأغاني لم تكن مجرّد ترف، بل كانت وسيلة لتنشيط الهمم، وتقوية أواصر التضامن الاجتماعي.
👣 4. شخصيات خرافية في خيال الطفولة
لا يكتمل تراث أي مجتمع دون شخصيات خرافية تزرع في الصغار الرهبة والفضول معًا:
“بوحمرون”: كائن غريب مخيف يُستعمل لإخافة الأطفال إذا تأخروا في العودة ليلاً.
“لعكّابة”: عجوز عوراء تسرق الأطفال وتحبسهم في جرار الطين – شخصية رمزية لتحذير الأطفال من مغبة الابتعاد عن المنزل.
🎭 5. التراث الشفوي… هوية لا تموت
ما زال سكان بوسعادة – رغم التغيّرات المعاصرة – يتشبّثون بتراثهم الشفوي، فهو:
الوعاء الذي حفظ اللغة المحلية والمفردات السهبية الفريدة
المرآة التي تعكس القيم: الشجاعة، الكرم، الصبر، الجماعة
الوسيلة التربوية التي شكّلت سلوك الأجيال
لذلك، فالواجب اليوم هو تدوين هذا التراث، وتوثيقه، وتمريره للأجيال القادمة، حمايةً له من الضياع.
🖼️ مرفقات مقترحة للموسوعة:
مقابلة صوتية مع امرأة مُسنّة تسرد إحدى الحكايات
صورة جداريّة لبوسعادة القديمة
تسجيلات صوتية لأهازيج الأعراس
مخطط إنفوغرافي يربط بين الأمثال والمواقف اليومية
📝 خاتمة
بوسعادة لا تتكلم فقط من خلال صورها ونخيلها، بل من خلال صوتها العميق… صوت الذاكرة، صوت النخلة، وصوت الإنسان. فدعونا نكتب هذا الصوت، ونمنحه حياةً أخرى عبر الموسوعة.