أحدث الأخبار
عاجل

📰 بوسعادة قبلة السواح… وحي لومامين وفندق القايد شاهدان

+ = -

📰 بوسعادة قبلة السواح… وحي لومامين وفندق القايد شاهدان

بعد استقلال الجزائر سنة 1962، بدأت مدينة بوسعادة تشقّ طريقها كوجهة سياحية فريدة، تجمع بين جمال الطبيعة وعمق التاريخ، بين المعمار التقليدي والروح البدوية، بين واحة النخيل والحجر والإنسان. ومنذ بداية السبعينات، تحولت المدينة إلى قبلة حقيقية للسواح الأجانب، القادمين خصوصًا من دول المعسكر الشرقي مثل الاتحاد السوفيتي، ألمانيا الشرقية، ويوغوسلافيا، ثم لاحقًا من دول أوروبية وغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية.

في تلك الفترة، استقبلت بوسعادة وفودًا سياحية عالية المستوى، ضمن برامج تنسيق ثقافي أو دبلوماسي، وغالبًا ما كانت الرحلات منظمة من طرف وكالات حكومية أجنبية بالتعاون مع مصالح السياحة الجزائرية، وتشمل أحيانًا مرافقة أمنية رسمية. وكان السواح يترددون على المدينة القديمة، ويزورون أزقتها التقليدية، ومتحف ناصر الدين دينيه وضريحه المعروف، وسوق بوسعادة الشعبي لاقتناء التذكارات، إضافة إلى وادي بوسعادة الشهير، وأحيانًا تمتد زياراتهم إلى زاوية الهامل أو بعض المناطق الريفية المحيطة.

من أهم رموز تلك المرحلة، كان فندق القايد، الواقع على مشارف حي لومامين، والذي كان يشكّل نقطة الانطلاق لكل الرحلات السياحية. أقام فيه الزوار بغرف بسيطة ذات طابع تقليدي تطل على الوادي والجبال. في محيط الفندق، كانت الجمال تنتظر السواح لركوبها والتجول في الواحة أو الرمال القريبة، كما كان أطفال الحي يعرضون أحجارًا لامعة أو أدوات تقليدية، وبعض السواح كانوا يبادلونهم ساعات أو منبّهات أو مذياع صغير مقابل فخار محلي أو صور تذكارية.

حي لومامين المجاور، لعب دورًا مهمًا في هذه الحركية. فقد كان سكان الحي، خاصة من الشباب، يتطوعون لمرافقة السواح، يدلّونهم على الأماكن، يشرحون لهم بعض التفاصيل، بل وتطورت بين البعض علاقات إنسانية جميلة. ووفقًا لشهادة الأستاذ أحمد بن قطاف، أحد أبناء الحي:

“كنا نرافقهم للمساجد، لضريح دينيه، للواد… بعضهم يتكلم الفرنسية، وبعضهم فقط بالإشارة… كانوا يحترمون ثقافتنا ويصورون كل شيء بإعجاب. كنا نحن شباب الحي نشعر أننا نُقدّم صورة عن مدينتنا للعالم.”

ومع مرور السنوات، لم تعد بوسعادة وجهة للسواح فقط، بل أصبحت تستقبل شخصيات دبلوماسية، من سفراء وملحقي سفارات، ضمن زيارات ثقافية وعائلية خاصة. وقد زارها عدد من المسؤولين الأجانب ووفود رسمية، رافقهم الأمن الجزائري أحيانًا، وشملت جولاتهم المدينة القديمة، متحف دينيه، الأسواق الشعبية، وضريح سيدي ثامر.

ويُقال بأن حي لومامين استمد تسميته من إحدى قبيلتين: إما قبيلة أولاد ميمون الهلالية من زغبة، أو نسبة إلى ميمون خادم الولي سيدي ثامر، والذي يُنسب إليه مساهمته في تصميم نظام السقي بواحة بوسعادة، ومنها جاءت تسمية “ساقية ميمون”. ويتميّز الحي بموقعه الطبيعي الساحر، حيث كانت رماله الذهبية تحيط بالفندق، وتوفر مشاهد غروب مذهلة طالما وصفها السواح بأنها من أجمل ما شاهدوه في إفريقيا.

ما بقي من تلك المرحلة هو الكثير من الذكريات المحفورة في وجدان سكان بوسعادة، وصور متناثرة بين الأرشيف العائلي، وقصص لا تزال تُروى عن أجانب سكنوا الفندق، تجولوا في الوادي، أو تحدثوا بلغة مكسّرة مع أطفال الحي. لقد كانت بوسعادة — ولا تزال — مدينة تنبض بالجمال والكرم، ووجهة محفورة في دفاتر المسافرين من مختلف أنحاء العالم.

📚 المراجع:

شهادة التحرير – بوسعادة أنفو

شهادات شفهية من سكان حي لومامين

أرشيف صحفي: جريدة “الشعب”، “المجاهد” (1975–1985)

وثائق محلية – مديرية السياحة

✍️ إعداد: بوسعادة أنفو 

الوسم


أترك تعليق