لا يمكن لبوسعادة أن تُذكر دون أن تستحضر في الذاكرة سوقها الأسبوعي، ذاك الموعد الشعبي الذي لا يضاهيه حدثٌ آخر في المدينة. هو ليس مجرد فضاء للتجارة وبيع الحاجات، بل منبر اجتماعي وثقافي واقتصادي، اختلطت فيه رائحة التمر بالبخور، وهمسات البيع بنقاشات الناس وأخبارهم.
يُقام السوق كل خميس، وكان في بداياته يقع قرب “القصبة”، ثم توسّع ليمتد إلى ساحة “سيدي سليمان” ومحيطها، قبل أن يتم تحويله إلى مساحات أكبر بفعل توسّع المدينة. هنا، في هذا السوق، تجد كل شيء: الماشية، الخضر، الزرابي، التمور، الحلويات التقليدية، أدوات الحدادة والفلاحة، وحتى الكتب القديمة.
تاريخه يعود إلى العهد العثماني، لكنه اكتسب مكانته الحقيقية في العصر الاستعماري، حين أصبح ملتقىً لسكان المدينة والمناطق المجاورة مثل الهامل، أولاد جلال، الدوسن، الجلفة، والمسيلة. وكان يُعدُّ نقطة تبادل اقتصادي مهمّ، حيث تُجلب السلع من قسنطينة، البليدة، الأغواط، وحتى تونس أحيانًا.
وما يُميّز هذا السوق أنه كان نافذة ثقافية أيضًا، فيه تُلقى الأشعار، وتُعرض الصناعات التقليدية، وتُناقش أحوال الزرع والسياسة، ويتعارف فيه الغرباء بأهل المدينة. بل حتى بعض العقود والمصالح كانت تُعقد تحت خيامه.
عرف السوق تغيرات كثيرة:
ففي التسعينات، تراجع بفعل الأزمة الأمنية والاقتصادية. ثم انتعش نسبيًا في العقدين الأخيرين، لكنه لا يزال يعاني من غياب التهيئة، وفوضى التنظيم، مما يُهدّد جوهره التقليدي الجميل.
اليوم، رغم تحوّل جزء من التجارة إلى الفضاءات الإلكترونية والمراكز، يظل سوق بوسعادة عنوانًا للذاكرة الشعبية، ومؤشرًا صادقًا على نبض المدينة. فالمكان لم يكن يومًا مجرد “سوق”، بل سيرة مفتوحة تكتبها أقدام الزبائن، وصيحات الباعة، وحكايات العجائز عن زمن البساطة.